سورة النور - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)}
{والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} هذه الآية في قذف الرجل لامرأته فيجب اللعان بذلك، وسببها «أن رجلاً قال يا رسول الله: الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقلته فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فسكت عنه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد فقال مثّل ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل فيك وفي صاحبتك فأتني بها فأتى بها فتلاعنا وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما».
وموجب اللعان عند مالك شيئان: أحدهما أن يدعي الزوج أنه رأى امرأته تزني. والآخر أن ينفي حملها ويدعى الاستبراء قبله، فإذا تلاعن الزوج تعلقت به ثلاثة أحكام: نفي حدّ القذف عنه، وانتفاء سبب الولد منه، ووجوب حدّ الزنا عليها إن لم تلاعن، فإن تلاعنت سقط الحدّ عنها، ولفظ الآية عام في الزوجات الحرائر والمماليك، والمسلمات والكافرات والعدول وغيرهم، وبذلك أخذ مالك واشترط في الزوج الإسلام واشترط أبو حنيفة أن يكونا مسلمين حرين عدلين {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} أي يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله لقد رأيت هذه المرأة تزني، أو أشهد بالله ما هذا الحمل مني؛ ولقد زنت وإني في ذلك لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وزاد أشهب أن يقول: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو، وانتصب: {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله} على المصدرية، والعامل فيه شهادة أحدهم وقرأ بالرفع وهو خبر شهادة أحدهم، وقوله: {بالله إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} من صلة أربع شهادات أو من صلة شهادة أحدهم {والخامسة أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكاذبين} بنصب الخامسة هنا وفي الموضع الثاني، وانتصب بفعل مضمر تقديره ويشهد الخامسة، أو بالعطف على أربع شهادات على قراءة النصب، وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء أو عطف على أربع شهادات بقراءة الرفع، وقرئ أن لعنه، وأن غضب: بتشديد أن، ونصب اسمها وقرأ نافع بتخفيفها ورفع اللعنة والغضب على الابتداء {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ لَمِنَ الكاذبين} العذاب هنا حدّ الزنا، أي يدفعه التعان المرأة، وهي أن تقول أربع مرات: أشهد بالله ما زنيت، وإنه في ذلك لمن الكاذبين، ثم تقول في الخامس: غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ويتعلق بالتعانها ثلاثة أحكام: دفع الحدّ عنها، والتفريق بينها وبين زوجها، وتأبيد الحرمة.


{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله} جواب لو محذوف هنا وفي الموضع الآخر تقديره {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ} لأخذكم، أو نحو هذا.


{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)}
{إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} الإفك: أشدّ الكذب، ونزلت هذه الآية وما بعدها إلى تمام ست عشرة آية في شأن سيدتنا عائشة رضي الله عنها وفي براءتها مما رماها به أهل الإفك، وذلك أن الله برأ أربعة بأربعة برأ يوسف بشهادة الشاهد من أهلها، وبرأ موسى من قول اليهود بالحجر الذي ذهب بثوبه وبرأ مريم بكلام ولدها في حجرها، وبرأ عائشة من الإفك بإنزال القرآن في شأنها، ولقد تضمنت هذه الآيات الغاية القصوى في الاعتناء بها، والكرامة لها والتشديد على من قذفها.
وقد خرج حديث الإفك البخاري ومسلم وغيرهما، واختصاره «أن عائشة خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فضاع لها عقد فتأخرت على التماسه حتى رحل الناس، فجاء رجل يقال له صفوان بن المعطل، فرآها فنزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة، وأخذ يقودها حتى بلغ الجيش، فقال أهل الإفك في ذلك ما قالوا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بال رجال رموا أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وسأل جارية عائشة، فقالت: والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر».
والعصبة الجماعة من العشرة إلى الأربعين، ولم يذكر في الحديث من أهل الإفك إلا أربعة، وهم: عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين، وحمنة بنت جحش، ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت، قيل: إن حسّان لم يكن منهم وارتفاع عصبة لأنه خبر إن، واختبار ابن عطية أن يكون عصبة بدلاً من الضمير في جاؤوا، ويكون الخبر {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ} على تقدير: إن حديث الذين جاؤوا بالإفك، والأول أظهر {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} خطاب للمسلمين، والخير في ذلك من خمسة أوجه: تبرئة أم المؤمنين، وكرامة الله لها بإنزال الوحي في شأنها، والأجر الجزيل لها في الفرية عليها، وموعظة المؤمنين، والانتقام من المفترين {والذي تولى كِبْرَهُ} هو عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، وقيل الذي بدأ بهذه الفرية غير معين، والعذاب العظيم هنا يحتمل أن يراد به الحدّ أو عذاب الآخرة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8